الموت حقيقة -لا جدال فيها- من حقائق الحياة، لا يجوز لأي مؤمن الاعتراض عليها، بل يجب عليه تقبلها والتعايش معها، فالموت - شئنا أم أبينا - هو مصير كل الكائنات الحية مهما طال بها العمر.
وكلما ازداد الإنسان عمرا وتجاربا في الحياة، تزداد بلا شك قدرته على التكيف مع هذه الحقيقة والتعامل معها بأقل قدر من الصدمة، كما أن شخصية المتوفى نفسها تلعب دورا كبيرا في تحديد رد فعل الإنسان إزاء هذا الأمر، ومدى الصدمة التي يشعر بها.
ربما تكونين قد تعرضت لموقف وفاة الجد أو الجدة وأنت في سن مبكرة، فلم تدركي جيدا ما يحدث لأن والديك أرسلاك إلى منزل أحد الأقارب أو الأصدقاء لحين انتهاء مراسم الدفن والعزاء، ثم أخبروك بعد عودتك أن الجد أو الجدة على سفر في مكان بعيد، ومع الوقت أصبح الغياب أمرا عاديا، إلى أن عرفت الحقيقة عندما كبرت، ووقتها قد لا تشعرين بالكثير من الألم لمضي الكثير من الوقت على الموضوع.
لكن، إذا كنت الآن في المرحلة الثانوية أو الجامعية، وتوفيت فجأة إحدى زميلاتك أو صديقاتك، فالوضع مختلف، لأنها ستكون أول تجربة حقيقية يكون الموت فيها قريبا منك لهذه الدرجة، واختطف شخصا مقربا لك وفي نفس عمرك. وهنا لابد وأن تكون الصدمة كبيرة.
من حقك طبعا أن تبكي، وأن تحزني، وربما يحتاج الأمر لقضاء بعض الأيام بمعزل عن الآخرين في غرفتك... لا يمكن أن يلومك أحد، ولكن احذري من المبالغة في الحزن، لأن عواقبها ستكون وخيمة.
عليك أن تنفضي الحزن عنك سريعا، وتعودي لحياتك الطبيعية بأسرع ما يمكن، لأن طول الحزن لا يؤدي إلا لمزيد من الحزن، وهو الأمر الذي قد يصيبك بالاكتئاب لا قدر الله.
حبك وارتباطك بصديقتك وصدمتك لرحيلها المفاجيء، هي أمور لا جدال فيها، لكن اعلمي أن عليك الكثير من الواجبات التي يجب عليك فعلها من أجل صديقتك... نعم، فوفاتها لا تعني أنه لم يعد هناك ما يمكنك فعله من أجلها!
مبدئيا، لن تهدأ روح صديقتك في العالم الآخر إذا علمت أن وفاتها أدت لإصابتك بالاكتئاب، وأنك قد انعزلت عن الحياة، وأهملت دروسك ورسبت في عامك الدراسي، لذا عليك نفض الحزن، وبدء العمل وتحقيق النجاح.
ثانيا، عليك دور مهم يجب أن تؤديه تجاه أسرة صديقتك المتوفاة، فلابد أن والدها ووالدتها الآن في أمس الحاجة لمن يذكرهما بابنتهما، ويخفف عنهما رحيلها، ويتذكرهما بالزيارات من آن لآخر. ومن غيرك أجدر بهذا الدور تعبيرا عن حبك ووفائك لصديقتك الراحلة؟
ثالثا، تذكري صديقتك بالخير في كل وقت، واقرئي القرآن رحمة على روحها، ولا تنسي الدعاء لها بالرحمة ودخول الجنة كلما خطرت على بالك.
رابعا، لم لا تفكرين في بدء أي مشروع خيري صغير بالتعاون مع والديّ الراحلة وزميلاتك اللاتي كن من المقربات لها، بحيث يكون صدقة جارية على روحها، ويضاف ثوابه إلى ميزان حسناتك وحسناتها إن شاء الله؟
الخلاصة هي أن الاستسلام للحزن والتمادي فيه لن يفيد بأي شيء، بل على العكس سيضرك ويضر كل من حولك ممن يحبونك. وليس الحزن المبالغ فيه هو الدليل الوحيد على الحب والإخلاص والوفاء لأحبائنا الذين رحلوا، لأنه رغم رحيلهم هناك الكثير مما يمكننا فعله من أجلهم، وعندما نفعل ما يمليه علينا ضميرنا نحوهم، بالتأكيد سنشعر بالراحة والسكينة وسنستسلم لقضاء الله، وندعو لهم بأن يكونوا الآن في مكان أفضل على أمل أن نلحق بهم يوما ما بعد أن نؤدي رسالتنا في الحياة على أكمل وجه.